الصوم في المسيحية
الصوم هو مبدأ ديني موجود من القدم هدفه التعبدي ، والصوم كان دائما ولا يزال مرتبط بالصلاة كما هو الشأن في الصوم المسيحي ، والصوم ليس أقل أهمية من الصلاة .
1 ) ماهو الصوم المسيحي :
- الصوم يعني الإمتناع عن الطعام لفترة من الوقت دون الإمتناع عن السوائل .
- هو شركة مقدسة وعبادة روحية تقودنا أكثر فأكثر للنمو الروحي وقمع الجسد بكل أهوائه و شهواته وتضعه تحت سيطرة روح الله للتقرب من الله وتعميق الشركة معه .
- الصوم هو تدريب ناجح على ممارسة الإنضباط .
2 ) أنواع الصوم :
أولا : الصوم الجماعي : كان من ضمن الممارسات التي مارسها الشعب قديما كما مارستها الكنيسة الأولى أيام الرسل ، وفيه تشترك جماعة معينة بالإتفاق على الصوم بدون إجبار من أحدهم . وقد يكون الصوم الجماعي على المستوى العائلي أو الكنيسي أو على مستوى شعب الله في بلد ما .
ثانيا : الصوم الفردي : وفيه يقوم الفرد بالصوم دون علم أحد ودون الإتفاق من غيره . وإن كان الصوم بطريقة شخصية يُمكن للفرد أن يُحدد أسلوبه ومدته حسب هدف الصوم وظروف ذلك الشخص الصحية .
ولكي يحقق الصوم ثمرة المنشود لابد أن يتوفر في الأسلوب والمدة عنصران : الأول مايُذكرُ الصائم بهدف صومه ولجوئه للرب ، والثاني هو نوع حرمان لكي يُمارس الفرد ضبطاً للنفس وتهذيباً للعادات والشهوات . ولكن في كل هذه الحالات لابد أن يكون للصوم أسبابه وأهدافه الواضحة بالنسبة لمن يقوم به ، وألا يكون مجرد عملية روتينية موسمية .
3 ) أشكال الصــوم :
نجد في الكتاب المقدس ثلاث أشكال للصوم يتضمن كل منها الإمتناع عن الأكل حرفيا ويُمكن أن تكون جماعية أو فردية ، أو غير دورية أو إجبارية أو تطوعية .
أ) الصوم العادي : وهو الأكثر شيوعاً ويعني الإمتناع عن الطعام في كافة صوره الصلبة والسائلة ، لكنه لا يُمتَنعُ فيه عن الماء ، ومن أمثلته صوم الرب يسوع قبل التجربة ، فيخبرنا البشير لوقا أنه " أربعين يوماً يُجربُ من إبليس ولم يأكل شيئاً تلك الأيام ولما تَمتْ جاع أخيراً " لوقا 4 : 2 . ولم يقل إنه لم يشرب شيئا ، ثم بعد ذلك يقول إنه جاع ولم يقل إنه عطش رغم أن أَلَم العطش أشد وطأة من ألم الجوع ، والشيطان جربهُ بأن يأكل ولم يجربهُ بأن يشربَ .
ب) الصوم الكامل : وهذا الصوم يتضمن الإمتناع عن الماء بالإضافة إلى الإمتناع عن الطعام لفترة زمنية محددة أن مدته لا تتجاوز ثلاثة أيام . وهو إجراء استثنائي يُتخذُ لمواجهة ظروف استثنائية ومن أمثلته :
مثال : صوم شاول الطرسوسي بعد مواجهته بالمسيح في الطريق إلى دمشق . إذ صرف ثلاثة أيام بدون طعام ولا شراب لا يبصر فلم يأكل ولم يشرب . " أعمال الرسل 9 : 9 " .
4 ) تعاليم المسيح عن الصوم :
لم يُعلم المسيح الصوم فقط بل مارسه أيضا ، حيث بدأ أعمال المسيح بالصوم ، وكان الصوم جزءا رئيسيا من حياته وخدمته . فالمسيح بصفته إبن الله لم يكن في حاجة إلى للصوم ، ولم يكن في حاجة لمواجهة مكشوفة مع إبليس ، ولم يكن محتاجا للتعميد أو الإمتلاء بالروح القدس ، ولكن المسيح أكمل كل شئ من أجلنا لكي تكون حياته حياتنا وأعماله أعمالنا .
ونجذ تعاليم المسيح عن الصوم في الموعظة على الجبل ( متى 6 : 1- 18 ) .
حذر المسيح الناس الصائمين من ممارسة جذب الإنتباه البشر على أنكم صائمين . لأن الصوم شأن شخصي بينك وبين الله .
حينما تحدث المسيح عن الصوم في الموعظة على الجبل لم ينتقذ الصوم في الفكر اليهودي بل إنتقذ طريقتهم وهدفهم .
لذا نجد بعض المبادئ في ( متى 6 : 16 - 18 ) والمُتعلقة بالكيفية التي نصوم بها :
1 . الوقت : متى صُمت ، لم يحدد الوقت لكنه تكلم عن ضرورة ممارسة الصوم كأمر من الأمور المُسلَم بها .
2 . الشكل : أي شكل الصوم وشكل الصائم " لاتكونوا عابسين كالمرائين " " دهن الرأس وغسل الوجه "
3 . الكيفية : كيفية صومنا تُعلن عن الهدف الذي من أجله نصوم . فإما أن نصوم لإجتذاب مدح الناس أو إرضاء غرورنا أو نصوم لتعميق الشركة الروحية مع إلهنا ، لهذا يقول السيد " وأما أنت فمتى صُمتَ " .
4 . المُكافأة : إن الذي يكافئ الصائم ويجازيه هو من يريد إجتذاب إنتباهه من خلال صيامه . فالمرائي يصوم لإجتذاب نظر الناس ومن ثم إستوفى أجره من البشر الذين رأو صيامه وتغنوا بمدحه . أما الذين يصومون للرب لكي يراهم الأب السماوي الذي يرى في الخفاء ، فهو من يجازيهم في المستقبل وفي الزمن الحاضر .
5 ) لماذا نصوم :
أولا : الرغبة في تعميق الشركة مع الله " فالصوم هو فحص النفس أمام الله والتذلل قدامه وسكب القلب لديه والرغبة في إنهاض الحالة الروحية سواء للفرد أو العائلة أو الكنيسة "
ثانيا : لأنه عامل من العوامل المساعدة في الخدمة " الصوم يُشدد الخدام ويشجعهم ويرشدهم ويسندهم ويقربهم لله ، إنه تدريب على الإحتمال .
ثالثا : لأنه يذكرنا باحتياجات المحتاجين : " لن نشعر بجوع الجائع إلا إذا جُعنا مثله ( عبرانين 4 : 15 ) لذا كان مدح الرب يسوع عظيماً لمن اهتموا بالاخرين واحتياجاتهم ( متى 25 : 34 - 35 ) .
رابعا : للإعتراف بالخطية والتوبة عنها : هناك ارتباط وثيق بين الصوم والتوبة وهذا صنعته مدينة نينوى حينما أُنذر شعب نينوى بأن مدينتهم ستُقلب بعد أربعين يوما ، فعبر أهل نينوى عن توبتهم الصادقة بالصوم ، فكان صومهم صلاة توبة وتضرع أمام الله ليغفر ذنوبهم ويرفع عنهم قضاءه ودينونته . ( يونان 3 : 5 - 7 ) .
وهناك الكثير من الأسباب الأخرى التي تجعلنا نصوم ومن بينها التي ذكرتها ...
خاتمة
الصوم والصلاة أمران متلازمان ووسيلة فعالة لأجل لفت إنتباه الله إلينا .والصوم أمر مهمل اليوم ، ولكنه سيظل نافعا لإنضباطنا خصوصا في الحالات التي نكون فيها في شديد الإحتياج لله . وهذا الأمر يمجد الله وينتج بركات عديدة .
--------------------------------------------------------------------------------------
المراجع :
1) المجلد الأول كيف نفهم علم اللاهوت . الكاتب : ر.ت. كندل
2) الصوم في الكتاب المقدس . الكاتب : الشيخ فيكتور فهمي عويضه